الجمعة، 28 فبراير 2014

النملة في عين القناصة

ما الذي كان وراء الأشجار؟

ما الذي كان وراء تلك الأشجار؟
بيتٌ خشبيٌّ يفتّش عن شجرة العائلة؟
أشجارٌ جريحةٌ
تتقارب عند مفرق القرية
مثل فتياتٍ ينتظرن أحصنةً بيضاء لم تولد!
قامتي كانت أقصر من أن ترى
وكان صمتُ الأشجار كتحديق كازانتزاكيس
هل كان وراءها غزالان أفناهما الحبّ
فصارا مكاناً لشيءٍ لا يُرى؟
أم امرأةٌ تعرَّتْ كي تطمئنّ على فاكهة الفتنة
ظنَّتْ أنَّ الأشجار لا ترى
رآها ذكرُ السروِ
تزوَّجها
فصارتْ شجرة؟
قامتي كانت أقصر يا أبي
لكنني أذكر عطرَ أمِّي في وحشة السنديان
أذكر طائراً يعرفني
نظرتُهُ أوراقٌ تتهاوى مثل مناديل مبتلةٍ بالسراب
نضوجُ تناقضاتِ البحرِ بالرمال!
أذكر يا أبيْ
وأدري الآن
ما كان وراء الأشجار سوى قبري.

* * *
لا شيء تغيّر
لا شيء تغيّر
في الشارع برقٌ أسود محفورٌ
على نفسها تنطوي البناياتُ
كالذي يأكلُهُ الجوع
أمشي كما كنتُ أمشي
متى كان ما على الأرضِ يحدِّد خطوي؟
ما الأماكن؟
ذاكرةٌ؟
نحنُ نسيان
ما الشرفاتُ؟ ما الشبابيكُ؟ ما الأرصفة؟
فقاعاتٌ
تحت الخرابِ رحم الماء
وجذرُ الضوء
دبّوسُ أمي بين الأنقاض
سليمٌ كالشمس
رأسُهُ اختصارُ الحضارة
كؤوسُ المطبخ ما زالت تلمع كنظرةِ غواية
تستقبل عري السماء
في صورة بيتنا الزائلِ ما أحتاج من الحجامة
السروةُ بين القذائف ترقص
النملة في عين القناصة ماريشالٌ يتبختر
تجلياتُ ما بنا هذا الخراب
جنينٌ مشوّهٌ حبلتْ به قرون الردة
إنه يولد الآن
فلنحتفلْ
كان اللاشيء تخطيطَ قلبٍ يختلج
صار صورةً ثابتةً للبرق
لا شيء تغيّر
لا شيء
سوى اللاشيء.

* * *
لماذا يموتون جوعاً؟
- لماذا يموتون جوعاً يا بُنَي؟
- لأن أسنانهم مكسرة.
- لماذا؟
- لكثرةِ ما أكلوا الحجارة.
- إلى أين نمضي؟
- إلى جهنم.
- أما من طريقٍ آخر؟
- بلى، إلى جهنم أيضاً.
- إذاً فلنعدْ.
- البداياتُ تنزفُ
ضمادها جروحُ النهايات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

جريدة النهار

http://newspaper.annahar.com/article/112603-شعر--النملة-في-عين-القناصة
 

السبت، 15 فبراير 2014

البراميل تفجر ضحكات السوريين أيضاً

مع أن تأثير الثورات العربية السابقة كان واضحاً على سخرية السوريين -من حيث الأساليب المُتبعة في الرد على النظام-، إلا أن ما أدامها وعززها ردود فعل النظام نفسه على الحراك، فهو كان ومازال الأداة الأكثر فعالية لإثارة السخرية ضده، منذ أن ظهرت كلمة (مندسين) في وسائل إعلامه، لتعلو أصوات الثوار مطالبة بتثبيت التهمة عليها، ويتم إسقاط الكلمة على كثير من الأمثال الشعبية السورية، حتى صارت كلمة (مندس) مفتاحاً لأية نكتة سورية ووصمة فخر بين السوريين، إلى أن تتالت المصطلحات والخطابات المنفصلة عن الواقع، (الموتورين) و(الجراثيم) و(الإرهابيين) و(العملاء) و(العصابات) و(الخونة)... إلخ، لتصبح الغاية من السخرية تفريغ حالة الكبت والقهر بين السوريين، لا إسقاط الديكتاتور فحسب.

رد الفعل الوحشي الذي قام به النظام مترافقاً مع خطابه الاتهامي والسخيف عبر وسائل الإعلام كان مادة لكوميديا شديدة السواد، فاقت تلك الكوميديا التي أثارها القذافي أيام الثورة الليبية، إضافة إلى الاعترافات الشكلية والمُضحكة التي أجبر معتقليه على الإدلاء بها، وتوريطه البشرية في مؤامرة كونية ضده.

كان طبيعياً أن يسخر الشعب السوري من النظام وردود أفعاله الاعتباطية، وأن يحول بشار الأسد إلى رمز للاستهزاء في الشهور الأولى من الثورة، أما أن تصل الأمور إلى الحياة في العراء والبرد القارس والجوع وتحت البراميل المتفجرة، ومع ذلك تستمر السخرية على أشدها فهذا يعني أنها مغروسة في جينات هذا الشعب ومتأصلة في طباعه، وإذا كانت الثورات كاشفاً ضوئياً لحقائق الشعوب فإن من أهم ما كشفته في الشعب السوري وقوفه ضاحكاً والدماء تغطيه قبل الدموع، كثيرٌ منا رأى صورة مجموعة من الأطفال وقد رسمت مدفأة على الجدار والتفت حولها كي تتدفأ، كما رأى عشرات رسوم الكاريكاتور لبابا نويل-في رأس سنة 2013- وهو يحمل برميل المازوت بدلاً من الألعاب، أو جالساً بين قبور أطفال سوريا وليس لديه ما يفعله، وفي رسم آخر يظهر وقد قبضت عليه المخابرات السورية بتهمة أنه سلفي بسبب ذقنه الطويلة.

تحت البراميل المتفجرة، ومن الأحياء المحاصرة يُعلق السوريون المجتمع الدولي والمعارضة إلى جانب النظام على حبال سخريتهم، لا سيما ما يتعلق بمؤتمر جنيف2، وذلك بعد عشرات المؤتمرات والقرارات الدولية التي لم تقدم للسوريين شيئاً، بل زادت من محنتهم وكوارثهم، هكذا وُلد باص جنيف2، وهو عبارة عن صورة لباص قديم نُشرت على الفيس بوك منذ أن أعلِن عن المؤتمر، وعلى الفور تزاحم المسافرون الافتراضيون، وأصبح لكل منهم شروطه المفروضة قبل الذهاب إلى جنيف، والتي لم تتعد شروط من يسافرون في رحلة ترفيهية مبالغين في تدليل أنفسهم، وهذا يدل على كم الإحباط الذي يعاني منه السوريون من جهة، وعلى حاجة عامة إلى الطفولة والبراءة -كحالة مفقودة في الواقع- والجوع إلى الحياة الطبيعية والأمان ونسيان الأوجاع الهائلة التي خلفتها الحرب داخلهم من جهة ثانية.

بعد أن بدأت أولى جلسات التفاوض في جنيف، تحول المؤتمر إلى مسرح كوميدي بين السوريين، فأنشأوا علاقات وتأويلات وأقاويل متخيلة غاية في الإضحاك بين المشاركين من الوفدين ومن الأمم المتحدة، من الإبراهيمي إلى لونا الشبل مروراً بوليد المعلم-الذي تحول إلى برميل متفجر في إحدى رسوم الكاريكاتور-، فلكل صورة أو مقطع فيديو تبثها الفضائيات حكايات افتراضية أبدعت صفحات الثورة في اختراعها، ومن المُلاحظ أن كَم التفاعل والتعليقات على هذه الحكايات فاقت بكثير مساحة الحوار الجاد حول ما تخبئه التصريحات والتحليلات السياسية، كما أن أغلب مبدعيها يعيشون في الداخل السوري.

كل المآسي السورية تبدو معقولة مقارنة مع حالة استخراج الأطفال من بين الأنقاض، أو حالات الموت جوعاً في الحصار، مع ذلك كتب الحمامصة على جدران منازلهم كلمة (أكَلَنا الجوع)، لتكون بصمة بليغة تشبه العصفور الذي يرقص من شدة الألم، كما افتتحوا مطاعم ومحلات تجارية جديدة (مطعم الدبابة والكبة الشامية) (دوشكا للاتصال السريع)، (الميغ للسياحة والسفر)، و(صالون البراميل للتجميل).

ثمة سر في مقاطع الفيديو التي يظهر بها أطفال حمص، هؤلاء الأطفال الجوعى والمحاصرون منذ سنتين أغلبهم لا يبكي ولا تظهر عليه علامات الحزن، بل على الرغم من ملامح الضعف والإعياء الشديد نجدهم يرقصون ويغنون ضاحكين وهم يعددون أسماء المأكولات التي يحلمون بها أو يركبون على بقايا سيارة محطمة مقلدين صوت السيارة ومنادين: (انفتح الطريق)، هذه الحالة الصعبة التي تدفع المُشاهد إلى الرغبة بالانتحار عجزاً تحتاج إلى بحث في الجذر الحضاري للمدينة، والذي يجعل الضحك والمرح والظرافة طبعاً من طباع أهلها، بغض النظر عما يحدث في الواقع.

بعد قرار الأمم المتحدة بإدخال المساعدات الإنسانية وإخراج المدنيين من حمص، كان من المتوقع أن نشاهد بقايا أجساد تآكلت من الجوع والمرض واليأس، لكنَّ الخارجين من الحصار ظهروا بسيارات الهلال الأحمر وهم أكثر تفاؤلاً وأملاً وابتساماً، صحيح أنهم يحملون أنصاف أجساد، إلا أن وجوههم تدل على اتحاد قوي وغريب بالحياة، كما تدل كلماتهم على أن ثمة لامبالاة يعيشونها مع الفاجعة، ليس لأنهم اعتادوا الحرب، بل لأن معادلة غير مفهومة تسطرها حمص، فالتوازن أمام كافة أشكال الوحشية التي يمارسها العالم ضد ألفين وخمسمئة إنسان أمر غير ممكن، ربما سيأتي من يفسر المعادلة يوماً، لكن هذا التفسير لن يهم من عاشوا السخرية الفريدة والأمل العظيم تحت براميل التي إن تي، والتي لم تفجر الأحلام فقط، بل فجرت ضَحِكَاتِ السوريين أيضاً!.

ــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

أورينت نت
http://orient-news.net/index.php?page=news_show&id=7745