الجمعة، 27 يونيو 2014

المنفيُّ قلبه ثقبٌ أسود

أورو واحد

ما معي غير أورو واحد
على حوافِّهِ محفورةٌ دموعُ عاملٍ صينيٍ
بغتةً رأى عمرَهُ شبحاً معدنيَّاً
ينصهر بين آلات النقود...

ليخرج مطبوعاً على الكلمة الفضِّية: حرِّيـــة

ماذا أشتري وأنا يلزمني أكثر من كلِّ شيء؟
فنجان قهوة!
أدسّ الأورو في يد النادلِ ولا أسترجع الباقي
كما يليق بشمسٍ
لا تغطس إلا كاملةً في زاوية النافذة
لا تقلقْ يا غد
المجرَّة أذُنُ الفنجانِ بين أصابعي
لا تقلقي يا هذه القصيدة
قد انتهت معاركنا فوق بياض الورق
فالنادل بعصبيَّةِ محاربٍ مهزوم
يطلق رصاصة الطرد المهذَبة:
شيءٌ آخر أستاذ؟

بينما ينتزع الفنجانَ الفارغ
ألمح دموع العامل الصينيِ وقد غادَرَتِ الأورو
تلتفّ حول خطوط كفِّه.

* * *

بينيَّات

عندما أسقطتِ الريحُ فستانَكِ عن حبل الغسيل
ارتجف البناء المقابل
فقد رأى نافذة بيتنا عارية

عندما أسقطتِ القذيفةُ البناءَ لم يرتجفْ أحد

نحتاج إلى أن نقهقه
لكي لا نسمع الأصوات تحت الأنقاض

نحتاج إلى أن نقيم بين المواقع الإلكترونية
لكي لا نرى حولنا أطنان الفراغ

كلما صحونا نتساءل: متى وكيف نمنا؟

نمشي على خيوطٍ كهربائية في الصباح الرمادي
أعضاؤنا موزّعةٌ بينَ لسانَين
بين بلاد المنافي وبلادنا المنفيّة
بينَ أسنان الظلام وفاكهة الضوء
بين أعراس جهنَّم والقمح الأسوَد

نحن أهل الـ"بَين"
نتناول الأحاديث
كما يتناول طفلٌ مترفٌ عضَّةً من كلّ تفاحة

لدينا قصائدُ غير مكتملة
موتٌ غيرُ مكتمل
فوضى مرتّبة
وورودٌ لا تتفتَّح ولا تذبل

نحن أبناء الثنائيات
كلما نظرنا إلى السماء بنصف عيوننا
نرى نصفَ حياة
تشبه غراباً يافعاً.

* * *

المنفيُّ قلبُهُ ثُقبٌ أسود

مستلقٍ على العشبِ كريشِ حمامةٍ أكلها الجوع
قربهُ نافورةٌ تحوطها رؤوسُ سِبَاعٍ منحوتةٌ من أفكاره
رذاذُها على جُرحِهِ ما نَفَرَ من رمانةٍ كان قد شقَّفها طفلاً
رذاذُها دمعُ جحيمٍ
يتسكّع في هذه الجنَّة العائمة على جثَّة الأبجدية
هو في حديقةِ المنفى وبلادُهُ الزائلة به تطفو كصوتٍ قادمٍ من بئر
المنفيُّ قلبُهُ ثُقبٌ أسود يقوِّس أضواءَ العالم
ثقبٌ على وشكِ الانفجارِ العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

جريدة النهار 28 حزيران 2014

الأحد، 15 يونيو 2014

كطائرينِ لم يغوهما عُش

نعيشُ الحبَّ هذا النهارْ
لا غيومَ ذئبيةً سوداءَ تدفعها أشباحُ السماءِ
ولا دمَ ينفُرُ حسبَ رعدِ الطائراتْ
هذا النهارُ: بخارُ سعادةٍ شفيفةٍ
يلوْحُ فوقَ العشبْ
حنينٌ مُكَثَّفٌ للشهوة
وشمسٌ حنونةٌ مثلَ بطنِكْ

نعيشُ الحبَّ
فقطْ لأنَّ حائطاً أبيضَ
يتجوَّلُ في هواءِ هذه المدينة
حائطٌ كانَ يمسكُ طوقَ تينٍ يابسٍ
كسبحةِ الأولياءِ
فيْ مدينتيْ الـ زالَتْ

ولأنَّ طريقاً ضيقاً هنا
لا يفضيْ بيْ إلى غيرِ رائحةِ الأراكيلِ
وقهوةِ العصرِ
وصمتِ الهيلِ
في نظرةِ أمِّيْ هناكْ

هذا النهارُ بذورُ أبجدية
حملتْهَا الريحُ من الشرقْ
رائحةُ التمرِ فوقَ أصابِعِكْ
دمْعُ فرحٍ تلمعُ فيه الحضاراتُ
كما يلمعُ قلبيْ في شامةِ كِتْفِكْ

كطائرينِ لم يغوِهِمَا العشُّ
بل شرارةُ الصدفة العظيمة
نعيشُ الحبَّ ونفترقْ
بلا ذنوبٍ ولا أضاحيْ
تماماً كما يليقُ بهذا النهارِ الفسيحْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر يوسف سليمان

القدس العربي:
http://www.alquds.co.uk/?p=178943