الاثنين، 24 يونيو 2013

(سوق الشِّعر) في باريس.. الفن الحاضر بقوة

 

 
عمر يوسف سليمان
لا يبدو «سوق الشعر» الذي احتل حوالي 400 متر مربع من مساحة حي «سان سولبيس» الباريسي مجرد خيم بيضاء منصوبة لعرض دور النشر آخر إصداراتها الشعرية، فعلى الرغم من كمِّ الكتب الهائل؛ إلا أن السوق تحول إلى عمل فني بحد ذاته، فقد اتحدت اللوحات التشكيلية المعروضة في أرجاء السوق مع المنحوتات التي حُفرت عليها القصائد، بالإضافة إلى الآلات الموسيقية وصور أهم الشعراء الفرنسيين وأغلفة الكتب والأمسيات الشعرية بلغات عدة، كل ذلك مقابل كنيسة أثرية عريقة تتوسط الحي وتحمل اسمه.
كما كل عام، افتُتح يوم الخميس 6 حزيران «سوق الشعر»، marché de la poésie الذي تتنوع أنشطته بين بيع الكتب والأمسيات الشعرية والموسيقية، وبين محاضرات عن الشعر وحفلات توقيع وجوائز وحوارات مفتوحة بين الشعراء والناشرين ووسائل الإعلام.
اشتركت في «سوق الشعر» أربعمئة جمعية ومجلة ودار نشر، من داخل وخارج فرنسا، كانت أشهرها دار «غاليمار»، ودار «أكثر من عنوان» المتخصصة بنشر الشعر والرواية، وجمعية «أتاتورك» المتخصصة بالأنشطة الثقافية للمهاجرين الأتراك في فرنسا، ودار «أبسالون» المتخصصة بنشر الأدب النمساوي، وجمعية «فنون باريس الخضراء» Arts verts de paris صاحبة المطبوعات الشعرية التي ترافقها لوحات فنية، وجمعية «جفون الأرض» الخاصة بطباعة الكتيبات الشعرية، ودار «آدن» البلجيكية، و«بيت الشعر» في باريس، في حين خلا سوق الشعر من دور النشر العربية على الرغم من وجود مشاركات لكتّاب من أصل عربي، أهمها مشاركة المفكر والمترجم المغربي عبد اللطيف اللعبي، ومنها كتابه: المغرب، «أي مشروع ديموقراطي؟».
أما ضيف الشرف لهذا العام فقد كان «الشعر الإيرلندي»، الذي استُضيف فيه كبار الشعراء الإيرلنديين: جوزيف وود، جون مونتاج، ومارتين شاردوكس، في فعالية «الطاولة المستديرة»، ثم قراءة شعرية باللغات الثلاث: الإيرلندية والإنكليزية والفرنسية، شاركت فيها الشاعرة بيدي جانكسون، وتلتها أمسية موسيقية لعازفي جاز وساكسفون.
في اليوم الثاني من سوق الشعر، كانت لافتة مشاركة تسع وخمسين شاعرة فرنسية بقراءة قصائد كانت قد نشرتها دار «أنثى الحبر» في أنطولوجيا «ليس هنا، ليس في أي مكان آخر» عام 2012، وقد تنوعت بين اليومية والوجودية وسط جمهور كثيف قطع الطريق الدائري الواصل بين أرجاء السوق.
«الشعر والصورة»، كانت تلك الفعالية هي مشاركة الشاعر الصيني «يو زو» في اليوم الثالث، حيث عرض فيها قصائد مصورة، وكانت دار «باسيفيكا» قد أصدرت كتاباً عنوانه «الشاي والشعر الصيني الكلاسيكي» عام 2012، تناولت فيه علاقة الصورة بالشعر الصيني.
بين آلاف الكتب، يضيع المتجول في سوق الشعر، حيث لا تأخذ دور النشر العريقة النصيب الأوفر من المتجولين، فلكل دار جمهورها الذي تستقطبه من خلال أهم العناوين المنصوبة بالخط العريض على خِيم العرض، في حين أن شراء الكتب ليس بأمر ذي أهمية في المهرجان، لأن الأولوية بالنسبة إلى الناشر تسويق اسم الدار، أما المتجول العربي، فقد يتبادر إلى ذهنه سوق «عكاظ» الذي كان يُقام في عصر ما قبل الإسلام، في شهر ذي القعدة/ تشرين الثاني «أكتوبر»، الذي كان مكاناً لإنشاد الشعر وإجازته من قبل نقاد ذلك العصر، لكن الاختلاف في أن سوق عكاظ لم يكن للأدب فحسب، بل للبضاعة المادية أيضاً، في حين أن «سوق الشعر» الباريسي يعرض البضاعة الأدبية ذاتها للبيع، على أنه يخلو من التكسب والمنافرة ومفاخرة الشعراء، التي كانت سائدة في ذلك الوقت في سوق «عكاظ».
يؤكد «سوق الشعر» لهذا العام، الذي اختتم في التاسع من حزيران، حضور الشعر وبقوة في الساحة الثقافية الفرنسية، في ظل التراجع العالمي عن الاهتمام بالشعر مقارنة بالفنون الأخرى، فباريس المتخمة ببيوت الثقافة والمسارح والحفلات الموسيقية ودور السينما لم تفتقد الفن الغائب: الشعر، كفن مستقل بنفسه، على الرغم من تشعبه وتداخله بشكل كبير في فرنسا خصوصاً وأوروبا عموماً مع باقي الفنون، لا سيما مع الفنون البصرية.

(باريس)
ــــــــــــــــــــــــ
 
السفير:
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق