الجمعة، 1 أغسطس 2014

ما لمْ تذكُرْهُ وكالاتُ الأنباء

 
ثمة ما لم تذكُرْهُ وكالاتُ الأنباءِ يا غودو
النحلةُ التيْ نجتْ منَ القصف
ثمَّ حطَّتْ على كفِّكَ
ليغلبَها النعاسُ إلى الأبدْ

الجنودُ الذين بأحذيتِهِمْ هزوا الشِّعابْ
كانوا يحلمونَ بنسائهمْ
من بين عشبٍ غطَّوا بهِ خوذاتِهِمْ
نبتتْ ذاكراتُهم كالورود
فامتصَّتِ النحلةُ رحيقها
لم يظلَّ من الجنودِ سوى خلايا عسلٍ لها شكلُ الأرحامِ
في كهوفِ الزمنْ


منذ قرونٍ والنحلةُ شامَةٌ هائمةٌ على أكتافِ الجبالْ
تمتصُّ مناديلَ مبتلَّةً ببُحَّةِ القطاراتْ
عجَلاتٌ تدهسُ الحروبَ
والنحلةُ غارقةٌ في صداها

هيَ كانت مطرةً قبل أن تصبحَ نحلة
اسألِ السماءَ عن بطنها الغارقِ بالملحْ
وعن عيونها المغطاةِ بزرقةِ البداياتْ
يا غودو: على كفِّكَ مطرةٌ بجناحَينْ!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهار (الملحق)
2014/08/02

صيفٌ هندي

 
تاجُ محلَّ يموجُ في المرآة
وفي الكفِّ السمراءِ مشطُ الصدفة
 
لكِ وشمُ وردةٍ على الماءِ
وليْ إسمُكِ مطبوعاً في باطنِ كفِّيْ
كلما كبَّلنيْ غيابكِ أحرِّكُ قبضتيْ
فيكلِّمنيْ بفمِ الأوركيدا
إسمُكِ شمسٌ تدورُ بأيدي بوذا الكثيرة
 
في الغربَةِ لا يُعرفُ الهنديُّ بوجهه
بل بخاتمٍ فضِّيٍّ
أضاءتهُ نظرةُ راقصة (الأوديسي)
كانَ صوتُها شمعةً على زورقٍ ورقيٍ
في ليلِ عيد (ديْوالي)
قلبانِ أشعلا شرارتِ العيدْ
 
ضفيرَةٌ معلَّقَةٌ على الجدار
هي ما ظلَّ لهُ منْ بلادْ
 
في هذا الصيفِ الهنديّ
الراقصةُ بأثوابِهَا تُغطِّيْ السماءْ
ضوءٌ حادٍّ يخِزُ قلبَ عصفورٍ
كلما فاحتْ لهجةُ الهنديِّ بتوابِلِ الذاكرة
 
كفُّهُ السمراءُ تمسحُ وجهيْ بالكحولِ ولوعةِ النايْ
والمرآةُ أماميْ تاجُ محلْ
الحلاقُ الهنديُّ في باريسَ قصَّ شَعرَ المسافاتْ
ولمْ ينتبهُ إلى جرحٍ في قلبيْ
بحجمِ خاتَمِهِ الفضِّيْ
 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان
موقع (كيكا)
2014/07/24

الجمعة، 27 يونيو 2014

المنفيُّ قلبه ثقبٌ أسود

أورو واحد

ما معي غير أورو واحد
على حوافِّهِ محفورةٌ دموعُ عاملٍ صينيٍ
بغتةً رأى عمرَهُ شبحاً معدنيَّاً
ينصهر بين آلات النقود...

ليخرج مطبوعاً على الكلمة الفضِّية: حرِّيـــة

ماذا أشتري وأنا يلزمني أكثر من كلِّ شيء؟
فنجان قهوة!
أدسّ الأورو في يد النادلِ ولا أسترجع الباقي
كما يليق بشمسٍ
لا تغطس إلا كاملةً في زاوية النافذة
لا تقلقْ يا غد
المجرَّة أذُنُ الفنجانِ بين أصابعي
لا تقلقي يا هذه القصيدة
قد انتهت معاركنا فوق بياض الورق
فالنادل بعصبيَّةِ محاربٍ مهزوم
يطلق رصاصة الطرد المهذَبة:
شيءٌ آخر أستاذ؟

بينما ينتزع الفنجانَ الفارغ
ألمح دموع العامل الصينيِ وقد غادَرَتِ الأورو
تلتفّ حول خطوط كفِّه.

* * *

بينيَّات

عندما أسقطتِ الريحُ فستانَكِ عن حبل الغسيل
ارتجف البناء المقابل
فقد رأى نافذة بيتنا عارية

عندما أسقطتِ القذيفةُ البناءَ لم يرتجفْ أحد

نحتاج إلى أن نقهقه
لكي لا نسمع الأصوات تحت الأنقاض

نحتاج إلى أن نقيم بين المواقع الإلكترونية
لكي لا نرى حولنا أطنان الفراغ

كلما صحونا نتساءل: متى وكيف نمنا؟

نمشي على خيوطٍ كهربائية في الصباح الرمادي
أعضاؤنا موزّعةٌ بينَ لسانَين
بين بلاد المنافي وبلادنا المنفيّة
بينَ أسنان الظلام وفاكهة الضوء
بين أعراس جهنَّم والقمح الأسوَد

نحن أهل الـ"بَين"
نتناول الأحاديث
كما يتناول طفلٌ مترفٌ عضَّةً من كلّ تفاحة

لدينا قصائدُ غير مكتملة
موتٌ غيرُ مكتمل
فوضى مرتّبة
وورودٌ لا تتفتَّح ولا تذبل

نحن أبناء الثنائيات
كلما نظرنا إلى السماء بنصف عيوننا
نرى نصفَ حياة
تشبه غراباً يافعاً.

* * *

المنفيُّ قلبُهُ ثُقبٌ أسود

مستلقٍ على العشبِ كريشِ حمامةٍ أكلها الجوع
قربهُ نافورةٌ تحوطها رؤوسُ سِبَاعٍ منحوتةٌ من أفكاره
رذاذُها على جُرحِهِ ما نَفَرَ من رمانةٍ كان قد شقَّفها طفلاً
رذاذُها دمعُ جحيمٍ
يتسكّع في هذه الجنَّة العائمة على جثَّة الأبجدية
هو في حديقةِ المنفى وبلادُهُ الزائلة به تطفو كصوتٍ قادمٍ من بئر
المنفيُّ قلبُهُ ثُقبٌ أسود يقوِّس أضواءَ العالم
ثقبٌ على وشكِ الانفجارِ العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

جريدة النهار 28 حزيران 2014

الأحد، 15 يونيو 2014

كطائرينِ لم يغوهما عُش

نعيشُ الحبَّ هذا النهارْ
لا غيومَ ذئبيةً سوداءَ تدفعها أشباحُ السماءِ
ولا دمَ ينفُرُ حسبَ رعدِ الطائراتْ
هذا النهارُ: بخارُ سعادةٍ شفيفةٍ
يلوْحُ فوقَ العشبْ
حنينٌ مُكَثَّفٌ للشهوة
وشمسٌ حنونةٌ مثلَ بطنِكْ

نعيشُ الحبَّ
فقطْ لأنَّ حائطاً أبيضَ
يتجوَّلُ في هواءِ هذه المدينة
حائطٌ كانَ يمسكُ طوقَ تينٍ يابسٍ
كسبحةِ الأولياءِ
فيْ مدينتيْ الـ زالَتْ

ولأنَّ طريقاً ضيقاً هنا
لا يفضيْ بيْ إلى غيرِ رائحةِ الأراكيلِ
وقهوةِ العصرِ
وصمتِ الهيلِ
في نظرةِ أمِّيْ هناكْ

هذا النهارُ بذورُ أبجدية
حملتْهَا الريحُ من الشرقْ
رائحةُ التمرِ فوقَ أصابِعِكْ
دمْعُ فرحٍ تلمعُ فيه الحضاراتُ
كما يلمعُ قلبيْ في شامةِ كِتْفِكْ

كطائرينِ لم يغوِهِمَا العشُّ
بل شرارةُ الصدفة العظيمة
نعيشُ الحبَّ ونفترقْ
بلا ذنوبٍ ولا أضاحيْ
تماماً كما يليقُ بهذا النهارِ الفسيحْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عمر يوسف سليمان

القدس العربي:
http://www.alquds.co.uk/?p=178943

الجمعة، 30 مايو 2014

صدور ديوان "الموتُ لا يُغوي السكارى" للشاعر السوري عمر يوسف سليمان

جريدة إيلاف

صدر عن دار (لوراي دو لو)-باريس ديوان ثنائي اللغة (بالعربية والفرنسية) للشاعر السوري عمر يوسف سليمان تحت عنوان "الموتُ لا يُغوي السُّكارى"، وقد احتوى أربعاً وعشرين قصيدة متفاوتة الطول وقعت في 106 صفحة من القطع المتوسط.
تحضر في الديوان مفردات الموت والحب والحرب والمنفى، في محاكاة لما خلفته المأساة السورية من شتات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
قام بالترجمة إلى الفرنسية كلٌ من المترجم ليونيل دوناديو، والشاعرة السورية عائشة أرناؤوط، والشاعر المغربي طاهر البكري.
من أجواء الديوان:
(كم كانَ جميلاً أني قطعتُ (شارعَ الموتْ)!
كانتِ الحياةُ كفَّ طفلةٍ تلوِّحُ في الجهةِ المقابلة
قرأتُ فيهِ ما مرَّ من حياتيْ
فلم يكن سوى تمرينٍ على ما سأعيشُهُ حقاً

كم جميلٌ أنَّ أحداً لم يبكِ في تلكَ الظهيرة
فالمُمدَّدُ كانَ مجهولَ الهوية
شيئاً فشيئاً تبخَّرتْ جثته
ثمَّ تشكَّلَتْ غيمةً حول الكاميرا في يديْ
فلم ألتقط سوى بطاقتِهِ الشخصية: رصاصةٍ فجَّرت رأسه
وبين الرصاصةِ والكاميرا رأيتُ الحياةَ ثوبَ أمي الطويلْ
ذلك الثوبُ الذي كنتُ أستمسكُ بهِ طفلاً
وهيَ تهمُّ بالرحيلْ)
يُذكر أن عمر يوسف سليمان من مواليد سوريا 1987، وقد سبق أن صدر له (ترانيم الفصول) شعر/2006، كما فاز ديوانه (أغمضُ عينيَّ وأمشي) بجائزة الدكتورة سعاد الصباح/ الكويت 2010.

http://www.elaph.com/Web/Culture/2014/5/907937.html

الخميس، 1 مايو 2014

أجمَلُ ما في الإقامةِ السَّفَرْ .. أجمَلُ ما على الماءِ السَّماءْ

1
لدينا الكثيرُ من الخبزِ المقمَّرِ بالضوءْ
فاكهةُ الربيعِ موسيقا على ضفاف الرغباتْ
حُبلى بالعرَقِ الخوابيْ
منها سننجبُ ضحكاتٍ تُحرِّرُ الأرضَ منْ آلهة الشياطينْ
على الجدرانِ الخشبيةِ معلقةٌ نداءاتُ أقدمِ أجدادنا:
ما لم نعشْهُ خبَّأناهُ في ذاكرةِ العنبْ
أفكارُنا يرسمها الضوءُ على رغوةِ كؤوسكمْ
كلما شربتُمْ ستدورُ طواحيننا
مولدةً كهرباءَ الفرحِ العظيمْ

ستةُ أيامٍ للرقصِ على إيقاعِ الكحولِ في العروقْ
للصحوِ على وردةِ الهناءِ التيْ لا يكتملُ تفتُّحُهَا
نهدرُ الوقتَ كما نهدرُ صحتنا بالأراكيلْ
وفي اليومِ السابعِ نرتاحْ
لقد خَلَقنا عالَمَ اللذَّة فينا
وليسقُطِ العالمْ

عندما تغفونَ كأطفالٍ أنهكَ اللعبُ أجفانَهُمْ
أحملُ أحلامَكمْ بيدٍ
وكأسيْ بيدْ
ثم أصعدُ إلى العلِّيةِ مثلَ هواءٍ مُثقَلٍ بالندى
أرى الأضواءَ الممتدَّةَ لامعةً كعيونِ قططٍ شبقة
أعرفها
أعرفُ رائحةَ العشبِ المُبتَلَّةَ بتحديقِ السهولْ
أعرفُ هذه القرى التي لا ترغبُ إلا بِمَؤُوْنَةِ أن تبقى خاليةَ البالْ
أعرفُ غوايةَ انتظارِ الصباحِ
في الظلمةِ الشفيفةِ
على شَعْرِ الأشجارْ
أعرف كلَّ هذا
ولا أعرفُ أينَ أنا
لكننيْ كلما استدرتُ إلى انعكاسِ ظلٍّ غامضٍ على الحائطِ المقمرْ
كلَّما صفَّرَ الزيزُ
أو تناهتْ موسيقا الغجرِ من بعيدٍ
أعرفُ بلاديْ
كلُّ أرْضٍ منَ الأرضِ فيها بلاديْ

22/3/2014
 
2
- فجرٌ أمْ غروبْ؟
- الصمتُ يخيِّمُ على حدودِ الوقتِ مثلَ مهجَّرينْ
ظلالُ غيومٍ رماديَّةٍ هذه المدينة
- فجرٌ أم غروبْ؟
في السادسةِ يمرُّ الضوءُ الغامضُ مثلَ نداءِ النايْ
للشمسِ ما للبندولِ في منتصفِ الساعة
- إذاً ما الوقت؟
- ما تراه يا صاحبيْ
افترضْ أنهُ آخرُ النهارِ
أفترضُ بدايتَهْ
لا فرقْ
في النهايةِ مُطلقُ البداية

في دمشقَ
للَّيلِ فجرٌ كحليٌ
وجهه طفلٌ ينامُ
والبحرُ يهدرُ:
أجمَلُ ما في الإقامةِ السَّفَرْ
أجمَلُ ما على الماءِ السَّماءْ

- نحنُ أينَ؟
- في الشارعْ
- كم الساعة؟
- السادسة
- باريسُ وقتٌ سكرانُ ضيَّعَ ساعتَه
- فلتفترضْ أنَّا هنا
ولأفترضْ أنَّا هناكْ
- وأنَّكَ أنتَ
لا أنا
متماثلةٌ فينا الأماكنُ
والأسماءُ
وأفكارنا ترفضها الجاذبية

خلفَ هذهِ المدينةِ ما يشيْ بتلكْ
خلفَ حدائقها
أشجارُ تينٍ تُطِلُّ على الخيالِ المشرقيْ

خلفَ تماثيلِ محاربيها
وردٌ مذبوحٌ
دمُهُ مقامُ الصبا

والعربيةُ في هوائها
شَبَحٌ يمدُّ لسانَهُ إلى الماضيْ

- كم الساعة؟
- السادسة
- صباحاً أم مساءً؟
- صباحٌ يُمسِّيْ علينا
- أينَ نحنُ؟
- في آخرِ المنامْ

14/1/2014
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



موقع دحنون:

http://www.dahnon.org/archives/7282


اللوحة: تشكيل لحمد الحناوي

الأحد، 13 أبريل 2014

لم أعد أحداً




أعرفُ هذا الغروبَ الذي يغفو على ظهرِ كلبٍ أشقرْ

أعرفُ تلكَ الغيمةَ الشبقةَ مثلَ ثيابِ مراهِقة

أعرفُ هذه الجدرانَ الطفوليةَ البيضاءْ

أعرفُ رائحةَ النظافةِ التي تتنزَّهُ عاريةً أمامَ المحلاتِ

كما أعرفُ قبضةَ القطِّ المحفورةَ

فوقَ الرصيفِ المفضيْ إلى البناية

هذه قريتي!

لكنْ أينَ الحجارةُ المغسولةُ بالدخانِ؟

وأينَ رائحةُ البارودِ القريبة؟

أينَ أخي وقد كنا واقفَين على الشرفةِ بانتظارِ الذبحْ؟

أينَ أصابعُ الأطفالِ الممزقة؟

هل أخطأتِ القذيفةُ دربها اليومَ؟

أم أن رصاصةَ قناصٍ أصابتْ ذاكرتي؟

وراء شرفةِ الوقتِ أفركُ عينيَّ

أمدُّ إصبعيْ إلى كأسِ وردةٍ كي أستعيدَ معنى الحياة

ألمسهُ فيصبحُ رملاً

وإصبعيْ حجراً

أنا في ضاحيةٍ قربَ باريسَ منذ عامٍ

لكنها قريتي

ربما هي مرآة قريتي التي بي

ربما مرآة تلكَ التي لم أزل بها

لكنها زالت!

ربما ربما

أما الأكيدُ فيثبتهُ ممرٌّ مظلمٌ أمامَ بابِ الشقة:

أنا لم أعدْ أحداً

ـــــــــــــــــــــــ

المستقبل- ملحق (نوافذ)

http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=613297             


الجمعة، 4 أبريل 2014

ثلاث أغانٍ إلى يانيس ريتسوس

كانت حياة الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس (1909-1990) سلسلة من المرض والفقر والكوارث العائلية. فقد توفي أكبر أشقائه وأمه بمرض السل وهو في الثانية عشرة، ليغرق والده في حال من الجنون في قرية مونيمفاسيا البحرية حيث ولد يانيس، مما اضطر الطفل إلى العمل في مهنٍ يدوية عدة تحت وطأة الحاجة، إلى أن أصيب هو الآخر بالمرض في الثانية والعشرين.
تُعدّ أغلب قصائده انعكاساً للأحداث الدامية خلال النصف الأول من القرن العشرين، عندما كانت اليونان تمر باحتجاحات واضطرابات كبيرة بسبب الانهيار الاقتصادي والحربين العالميتين والنظام العسكري الموالي للنازية. ففي أيار 1934 كتب قصيدة طويلة، "أبيتافيوس"، إثر مقتل ثلاثين من عمال التبغ في مدينة تسالونيك خلال تظاهرة ضد نظام الحكم، وقد صادر النظام تلك القصيدة الطويلة وأحرقها أمام أعمدة معبد زوس، وفي عام 1967 سجن بسبب معارضته الانقلاب العسكري، وتنقل بين معسكرات عدة للاعتقال كان أحدها في جزيرة ليروس اليونانية، واستمرت معاناة ريتسوس واضطهاده حتى زوال الانقلاب وانتخاب حكومة الوحدة الوطنية عام 1974.
كان لا بد من التقديم الموجز السابق لعلاقته المباشرة بالقصائد المترجمة، لكن لا يعنينا هنا إيراد سيرة ذاتية لهذا الشاعر العابر للقارات، بل لغة ريتسوس الشعرية وكيف التقط الشاعر برونو دوسي ثيمات هذه اللغة فكتب بطريقة غير مألوفة في الشعر الفرنسي.
يحضر ريتسوس بشكل قوي في الشعر العربي مذ ترجم الشاعر سعدي يوسف مختارات من شعره عام 1979 تحت عنوان "إيماءات"، وكان لقصائده اليومية والإيروتيكية تأثير واضح في التجربة الشعرية العربية الحديثة، أما سبب هذا التأثير فالحسية والغنائية العالية التي اتسمت بها لغته، والتي تُعد من ركائز الشعر العربي أيضاً، أي أن قصائد ريتسوس وحتى نثرياته وشذراته مرتبطة بالذاكرة الجمعية للشعراء العرب، ولا سيما قصيدته الأشهر "سوناتا ضوء القمر" التي تطفح بغنائيتها وصورها الدرامية.
تلك الغنائية الفريدة غريبة عن الشعر الفرنسي الجديد، فالنقاد يؤرخون لانتهاء زمنها برحيل الشاعر لويس أراغون، لكن استلهام شاعر كريتسوس دفع برونو دوسي إلى غواية هذه الغنائية كما سنلاحظ في القصائد، ولا سيما في ما يتعلق بتكرار الكلمات والعبارات، الأمر الذي لا يحبذه الفرنسيون في لغتهم اليومية فضلاً عن الشعر، مما يُعدّ مغامرة قام بها الشاعر، لكن عنايته بالحذف اللغوي والتكثيف وبعض السرد وخصوصاً في قصيدة "تسالونيك"، يجعلها مستساغة لدى القارئ الفرنسي، كما يجعل ترجمتها غير غريبة عن القصيدة العربية.
برونو دوسي من مواليد 1961 في الجورا في الشمال الفرنسي، ترتبط تجربته الكتابية بالقضايا الكبرى والترحال، صدرت له روايات منها "فيكتور جارا ليس ديكتاتوراً" عام 2010، و"عبارات" عن الصحراء الجزائرية والطوارق، بالإضافة إلى الأنطولوجيات والدراسات حول الشعر مذ عمل كناشر في دار "سيغيرس"، ومن ثمّ أسس داراً للنشر باسمه، خاصة بالإصدارات الشعرية تلك التي تساهم بمزيد من التعايش بين مختلف الثقافات في فرنسا، أما القصائد المترجمة أدناه فقد نُشرت في ديوانه "إذا كان ثمة بلد" الصادر عام 2013 عن هذه الدار.

***
مونيمفاسيا 1909



يانيس
حين أكلمكَ يا يانيس
بلغتي النارية أكلِّم ريتسوس

الوقتُ الذي كنا حلماً له
كلما رماني على ضفتك
تدلى
فانكمشت ظلالُ الحصى

أنا أمامكَ
وفي الطريق إليك
أرتدي كلماتي
كغريقٍ يرتدي عريَه

أراقب اقتراب سفينة الطفولة
تحت أشرعتها الشاهقة مواسمُ البحر

مونيمفاسيا، هناك حيث لا سوني، جنوب بيلوبّونيس
حنجرةٌ هائلةٌ قلعةُ مولدك

هناك كان أبوكَ
وأبو أبيكَ
يُرضعانَ حرَّاثَ الآفاقِ تلك الحجارة الخالدة

يا أخا أول أيار:
هل تعلم أن الشعراء الحالمين بالولادة
هم زيارة أيار
لبيتٍ في قريةٍ
مبنيةٍ على شبه جزيرةٍ صغيرة؟

لكنكَ أنت!
الحياة: بغتةٌ موزونة
بطريركٌ مغتال على أراضيه
مغلاقٌ يتقافز
باعةٌ يهلوسون

لكنكَ أنت!
الأخُ مات
الأمُّ ماتت
أبوكَ صار ناراً
والخراب يهدّ حتى أسبابَ الحياة

ثمةَ بيتٌ ميتٌ مهيأ لعبور ظلال الليل
ثمة خلاصٌ في الكلمات التي تحضن القرابين على شفاهك

يانيس الذي يرقص
يانيس الذي يرقّص ريتسوس
خطوتان في الهاوية
وذراعان ممدودتان حتى النجوم.

* * *

تسالونيك



العمالُ
ومنتجاتُ التبغ
موكبٌ في المدينة

قضبانُ الاستبداد
على أعناق الحمام
مشطٌ فولاذي

أمٌّ
في منتصف الشارع
تبكي ابنها الساقط في المعركة

بعدَ يوم، أيها الشاعر، ستكتشف في الجريدة صورةَ الأم
منحنيةً على جثة ابنها

دموعها تحرقك
صرختها، صرختها اللابشرية
تنحت شكل الابن والأب والأخ والعاشق والرجل الذي بك

ستلتفّ كلماتكَ حول خدَّيها
كلماتُكَ اليوميَّة
في أحدِ الحدادِ على قبر الملائكة

أيةُ رقةٍ
أيُّ لطفٍ
ذلك الابنُ الذي تفقده جميع الأمهات؟

الابن الذي ارتدى الموتَ في أيار
كم يحبّه الربيع!

في المعبد
أمام الأعمدة
كتابكَ يحترق!

* * *

ليروس


رجلٌ
كلما قلنا إنه مات
يرفع النورُ أكفَّهُ فوق أكتافكم

جزيرةٌ
كلما قلنا بديعة
انتشر الشجنُ في الظلال

رجلٌ، جزيرة
قمرٌ يشبه الكتابة
كان ينزل كل ليلةٍ إلى النهر
أغنيتهُ حبٌّ في الحرب
أحزانه: عمَّال

رعبُهُ تزوّجَ آثارَ خطاه على الرمال
الرغبةُ بالحياة
خيطٌ سماويّ
في حصيرة النجوم

السجينُ الذي يرتجّ في سخم دخانِ همومِك
بهلوانٌ منبوذ
تحاول أحلامه أن تتوازن فوق خيطٍ مشدود

لأجلِكَ الأغنيةُ التي تتوّجها العصافير على ذرى الأشجار
بصوتٍ مبحوح أكلمكَ
في الغابة المحروسة بالروحِ المتحجرة

حين تسمعني
تجتاحني في التفاتةِ الريح قشعريرةُ الماء

الريحُ فوق المزراب الطافح مثل أسفلِ حلقٍ ملتهبٍ في الشتاء
كلماتُكَ السجينة
فوقها سماءٌ بلا قافية
مفتوحةٌ على اللاسبب

كلماتُكَ تسكُّعٌ تحت الجفون
يفكِّكُ براغي الليلِ
ليرميها في زوايا العالم الأربع

كلماتكَ تحفر الأخاديد تحت البحر
تحت الأرض
وفي صخور اللامبالاة
بينما كنتَ يوماً ما تواريها في جيبكَ المثقوبة
مثلما تواري كورنث أعنابَها

يا صيّاد الحرية:
قناني رياحكَ البحرية لا تزال في قاربِ الحب
أنتَ أخي يا يانيس
أخي الذي يمنح المستقبلَ موسمَهُ من الضوء.

ــــــــــــــــــــــ
التقديم والترجمة: عمر يوسف سليمان

جريدة (النهار) الملحق

http://newspaper.annahar.com/article/122733-ترجمة--ثلاث-أغان-إلى-يانيس-ريتسوس

الجمعة، 28 فبراير 2014

النملة في عين القناصة

ما الذي كان وراء الأشجار؟

ما الذي كان وراء تلك الأشجار؟
بيتٌ خشبيٌّ يفتّش عن شجرة العائلة؟
أشجارٌ جريحةٌ
تتقارب عند مفرق القرية
مثل فتياتٍ ينتظرن أحصنةً بيضاء لم تولد!
قامتي كانت أقصر من أن ترى
وكان صمتُ الأشجار كتحديق كازانتزاكيس
هل كان وراءها غزالان أفناهما الحبّ
فصارا مكاناً لشيءٍ لا يُرى؟
أم امرأةٌ تعرَّتْ كي تطمئنّ على فاكهة الفتنة
ظنَّتْ أنَّ الأشجار لا ترى
رآها ذكرُ السروِ
تزوَّجها
فصارتْ شجرة؟
قامتي كانت أقصر يا أبي
لكنني أذكر عطرَ أمِّي في وحشة السنديان
أذكر طائراً يعرفني
نظرتُهُ أوراقٌ تتهاوى مثل مناديل مبتلةٍ بالسراب
نضوجُ تناقضاتِ البحرِ بالرمال!
أذكر يا أبيْ
وأدري الآن
ما كان وراء الأشجار سوى قبري.

* * *
لا شيء تغيّر
لا شيء تغيّر
في الشارع برقٌ أسود محفورٌ
على نفسها تنطوي البناياتُ
كالذي يأكلُهُ الجوع
أمشي كما كنتُ أمشي
متى كان ما على الأرضِ يحدِّد خطوي؟
ما الأماكن؟
ذاكرةٌ؟
نحنُ نسيان
ما الشرفاتُ؟ ما الشبابيكُ؟ ما الأرصفة؟
فقاعاتٌ
تحت الخرابِ رحم الماء
وجذرُ الضوء
دبّوسُ أمي بين الأنقاض
سليمٌ كالشمس
رأسُهُ اختصارُ الحضارة
كؤوسُ المطبخ ما زالت تلمع كنظرةِ غواية
تستقبل عري السماء
في صورة بيتنا الزائلِ ما أحتاج من الحجامة
السروةُ بين القذائف ترقص
النملة في عين القناصة ماريشالٌ يتبختر
تجلياتُ ما بنا هذا الخراب
جنينٌ مشوّهٌ حبلتْ به قرون الردة
إنه يولد الآن
فلنحتفلْ
كان اللاشيء تخطيطَ قلبٍ يختلج
صار صورةً ثابتةً للبرق
لا شيء تغيّر
لا شيء
سوى اللاشيء.

* * *
لماذا يموتون جوعاً؟
- لماذا يموتون جوعاً يا بُنَي؟
- لأن أسنانهم مكسرة.
- لماذا؟
- لكثرةِ ما أكلوا الحجارة.
- إلى أين نمضي؟
- إلى جهنم.
- أما من طريقٍ آخر؟
- بلى، إلى جهنم أيضاً.
- إذاً فلنعدْ.
- البداياتُ تنزفُ
ضمادها جروحُ النهايات.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

جريدة النهار

http://newspaper.annahar.com/article/112603-شعر--النملة-في-عين-القناصة
 

السبت، 15 فبراير 2014

البراميل تفجر ضحكات السوريين أيضاً

مع أن تأثير الثورات العربية السابقة كان واضحاً على سخرية السوريين -من حيث الأساليب المُتبعة في الرد على النظام-، إلا أن ما أدامها وعززها ردود فعل النظام نفسه على الحراك، فهو كان ومازال الأداة الأكثر فعالية لإثارة السخرية ضده، منذ أن ظهرت كلمة (مندسين) في وسائل إعلامه، لتعلو أصوات الثوار مطالبة بتثبيت التهمة عليها، ويتم إسقاط الكلمة على كثير من الأمثال الشعبية السورية، حتى صارت كلمة (مندس) مفتاحاً لأية نكتة سورية ووصمة فخر بين السوريين، إلى أن تتالت المصطلحات والخطابات المنفصلة عن الواقع، (الموتورين) و(الجراثيم) و(الإرهابيين) و(العملاء) و(العصابات) و(الخونة)... إلخ، لتصبح الغاية من السخرية تفريغ حالة الكبت والقهر بين السوريين، لا إسقاط الديكتاتور فحسب.

رد الفعل الوحشي الذي قام به النظام مترافقاً مع خطابه الاتهامي والسخيف عبر وسائل الإعلام كان مادة لكوميديا شديدة السواد، فاقت تلك الكوميديا التي أثارها القذافي أيام الثورة الليبية، إضافة إلى الاعترافات الشكلية والمُضحكة التي أجبر معتقليه على الإدلاء بها، وتوريطه البشرية في مؤامرة كونية ضده.

كان طبيعياً أن يسخر الشعب السوري من النظام وردود أفعاله الاعتباطية، وأن يحول بشار الأسد إلى رمز للاستهزاء في الشهور الأولى من الثورة، أما أن تصل الأمور إلى الحياة في العراء والبرد القارس والجوع وتحت البراميل المتفجرة، ومع ذلك تستمر السخرية على أشدها فهذا يعني أنها مغروسة في جينات هذا الشعب ومتأصلة في طباعه، وإذا كانت الثورات كاشفاً ضوئياً لحقائق الشعوب فإن من أهم ما كشفته في الشعب السوري وقوفه ضاحكاً والدماء تغطيه قبل الدموع، كثيرٌ منا رأى صورة مجموعة من الأطفال وقد رسمت مدفأة على الجدار والتفت حولها كي تتدفأ، كما رأى عشرات رسوم الكاريكاتور لبابا نويل-في رأس سنة 2013- وهو يحمل برميل المازوت بدلاً من الألعاب، أو جالساً بين قبور أطفال سوريا وليس لديه ما يفعله، وفي رسم آخر يظهر وقد قبضت عليه المخابرات السورية بتهمة أنه سلفي بسبب ذقنه الطويلة.

تحت البراميل المتفجرة، ومن الأحياء المحاصرة يُعلق السوريون المجتمع الدولي والمعارضة إلى جانب النظام على حبال سخريتهم، لا سيما ما يتعلق بمؤتمر جنيف2، وذلك بعد عشرات المؤتمرات والقرارات الدولية التي لم تقدم للسوريين شيئاً، بل زادت من محنتهم وكوارثهم، هكذا وُلد باص جنيف2، وهو عبارة عن صورة لباص قديم نُشرت على الفيس بوك منذ أن أعلِن عن المؤتمر، وعلى الفور تزاحم المسافرون الافتراضيون، وأصبح لكل منهم شروطه المفروضة قبل الذهاب إلى جنيف، والتي لم تتعد شروط من يسافرون في رحلة ترفيهية مبالغين في تدليل أنفسهم، وهذا يدل على كم الإحباط الذي يعاني منه السوريون من جهة، وعلى حاجة عامة إلى الطفولة والبراءة -كحالة مفقودة في الواقع- والجوع إلى الحياة الطبيعية والأمان ونسيان الأوجاع الهائلة التي خلفتها الحرب داخلهم من جهة ثانية.

بعد أن بدأت أولى جلسات التفاوض في جنيف، تحول المؤتمر إلى مسرح كوميدي بين السوريين، فأنشأوا علاقات وتأويلات وأقاويل متخيلة غاية في الإضحاك بين المشاركين من الوفدين ومن الأمم المتحدة، من الإبراهيمي إلى لونا الشبل مروراً بوليد المعلم-الذي تحول إلى برميل متفجر في إحدى رسوم الكاريكاتور-، فلكل صورة أو مقطع فيديو تبثها الفضائيات حكايات افتراضية أبدعت صفحات الثورة في اختراعها، ومن المُلاحظ أن كَم التفاعل والتعليقات على هذه الحكايات فاقت بكثير مساحة الحوار الجاد حول ما تخبئه التصريحات والتحليلات السياسية، كما أن أغلب مبدعيها يعيشون في الداخل السوري.

كل المآسي السورية تبدو معقولة مقارنة مع حالة استخراج الأطفال من بين الأنقاض، أو حالات الموت جوعاً في الحصار، مع ذلك كتب الحمامصة على جدران منازلهم كلمة (أكَلَنا الجوع)، لتكون بصمة بليغة تشبه العصفور الذي يرقص من شدة الألم، كما افتتحوا مطاعم ومحلات تجارية جديدة (مطعم الدبابة والكبة الشامية) (دوشكا للاتصال السريع)، (الميغ للسياحة والسفر)، و(صالون البراميل للتجميل).

ثمة سر في مقاطع الفيديو التي يظهر بها أطفال حمص، هؤلاء الأطفال الجوعى والمحاصرون منذ سنتين أغلبهم لا يبكي ولا تظهر عليه علامات الحزن، بل على الرغم من ملامح الضعف والإعياء الشديد نجدهم يرقصون ويغنون ضاحكين وهم يعددون أسماء المأكولات التي يحلمون بها أو يركبون على بقايا سيارة محطمة مقلدين صوت السيارة ومنادين: (انفتح الطريق)، هذه الحالة الصعبة التي تدفع المُشاهد إلى الرغبة بالانتحار عجزاً تحتاج إلى بحث في الجذر الحضاري للمدينة، والذي يجعل الضحك والمرح والظرافة طبعاً من طباع أهلها، بغض النظر عما يحدث في الواقع.

بعد قرار الأمم المتحدة بإدخال المساعدات الإنسانية وإخراج المدنيين من حمص، كان من المتوقع أن نشاهد بقايا أجساد تآكلت من الجوع والمرض واليأس، لكنَّ الخارجين من الحصار ظهروا بسيارات الهلال الأحمر وهم أكثر تفاؤلاً وأملاً وابتساماً، صحيح أنهم يحملون أنصاف أجساد، إلا أن وجوههم تدل على اتحاد قوي وغريب بالحياة، كما تدل كلماتهم على أن ثمة لامبالاة يعيشونها مع الفاجعة، ليس لأنهم اعتادوا الحرب، بل لأن معادلة غير مفهومة تسطرها حمص، فالتوازن أمام كافة أشكال الوحشية التي يمارسها العالم ضد ألفين وخمسمئة إنسان أمر غير ممكن، ربما سيأتي من يفسر المعادلة يوماً، لكن هذا التفسير لن يهم من عاشوا السخرية الفريدة والأمل العظيم تحت براميل التي إن تي، والتي لم تفجر الأحلام فقط، بل فجرت ضَحِكَاتِ السوريين أيضاً!.

ــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

أورينت نت
http://orient-news.net/index.php?page=news_show&id=7745

الجمعة، 3 يناير 2014

لم يعد يعنيني

نهاري باردٌ كثلاجةِ موتى
وغيومٌ سوداءُ مثلَ ثيابِ نساءٍ ثكالى
من انحناءة خصركِ تستيقظ ضحكات الأطفال
لم يعد يعنيني أنّ قلبي أكثر وحشةً من نفق المترو الفارغ
ففراشاتُ نهديكِ كلما رفَّتْ
يتنزّه فضاءٌ في أعصابي

لم يعد يعنيني أنّ صدى خطواتي في الشارع عواء ذئبٍ جريح
فحين خبَّأتِ علاماتِ أسناني تحت أذنيكِ
عرفتُ أن بي قمراً طيباً
وعرفتُ جسدي
حين عضضتِ على الشفة السفلى

لم يعد يعنيني أن أرى القذيفةَ سمكةً خانها البحر
ولا أن لا أميّزَ أنينها قبل الاصطدامِ
عن أنّاتِ الشهوة
تماماً كما لا يعنيني أن لا أميّز الضباب الخارج من فمي
عن دخان سيجارتي
كلما نفثتُهُ هذا الصباح

ـــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان
النهار- الملحق
http://newspaper.annahar.com/article/96666-القذيفة-سمكة-خانها-البحر

بماذا يحلم البوهيمي؟

بماذا يحلم البوهيميّ النائم في نفق المترو؟
باللحم الساخن والنبيذ؟
أم بغرفةٍ في أعلى طابقٍ من فندق يطلّ على الشانزيليزيه؟
ربما يحلم بأنه يدخن سيكاراً على البحر
ويشرب فودكا بين فخذين بيضاوين؟
بل بالغناءِ
وهو يجمع موسم الزيتون في صبح بلاده
البوهيميُّ ينظر إلينا بنصف عينيهِ
نحن الذين ننتظر المترو
نتذكر أننا نسينا منذ متى لم نحلم
يضحك:
إن كان لا بدّ من حلمٍ
فهو أن تصبحوا مثلي
يصل المترو
وكالعادةِ
وحده البوهيميّ لم تلتقطه كاميرات الأمن المعلّقة

ــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

النهار- الملحق
http://newspaper.annahar.com/article/96666-القذيفة-سمكة-خانها-البحر

لن نختلف

لن نختلفْ
خذوا الصلواتِ والغاياتِ
نأخذ الطريقَ ورعشةَ الندى
خذوا المهرِّجينَ وإصبعَ القناصْ
نأخذُ الكحولَ وأرجلَ النملْ

في الحفلةِ ما يجعلنا سعداءَ ما لم نكنْ معاً
في الحفلةِ أكثرُ من حفلة
فلنضعْ حاجزاً بينَ الحلبتينِ
وحينَ ترقصونَ وحدكمْ
ستسمعوننا ونحن نناديْ
كما لو أننا لا نقصدكمْ:
كأسكمْ!

ولن نختلفْ
لديكمْ أشباحُ الابتزازِ
وعيونُ الكاميراتْ
ولدينا نوافذُ مفتوحةٌ على خوفكمْ
لديكمُ المكاسبْ
ولدينا أننا لم يعد لدينا ما نخسرهْ
 
لن نختلفْ
خذوا الله والجنة
نأخذُ خلاصنا منْ هذه الجحيمِ العظيمة
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان

النهار- الملحق