الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

المهرجان الدولي السابع للشعر في باريس قصائد عن الحرية والحرب والمنفى

لم يكن طقس باريس الشديد التقلب سبباً وحيداً لارتباك المشارك في المهرجان الدولي السابع للشعر في باريس لدى بحثه عن صالة عرض القراءات الأولى، بل ثمة سبب إضافي، وهو أن خمسين شاعراً من أوروبا والعالم العربي وأميركا اللاتينية سيقرأون نصوصهم بلغات عدة، وعلى المشارك أن يبذل قصارى جهده لكي لا يفوت عليه شيئاً من هذا الحدث الفريد. الارتباك كان مسيطراً على المشاركين، لكن جمال المكان (محافظة باريس 14) والاستماع إلى الشعر الجميل خفف من حدته.
إضافة إلى القراءة الدولية، التي قرأ فيها الشعراء مجتمعين خمسين قصيدة في شكل يومي، أقيمت نشاطات المهرجان الخاصة: أمسيات للشعر الإسباني، وشعراء فلسطين، وللشعراء المنفيين، ومحاضرة عن الشاعر الفرنسي ماكس جوب، مع عرض مسرحي اختتمت به نشاطات المهرجان، وقد مثِّلت فيه نصوص لشعراء ظهروا خلال الحربين العالميتين، منهم روبرت ديسنوس (1900-1945)، بول إيلوار (1895-1952)، ولانغستون هيوز (1902-1967).
كلمات الحرية والحرب والموت والمنفى كانت حاضرة بقوة في معظم نصوص الشعراء المشاركين. لم يكن ثمة اتفاق مسبق على ذلك، لكن الأزمة العالمية والخوف وانعدام الثقة بالمستقبل وتناول الهم الإنساني من خلال البحث عن حل لإنسان العالم بدلاً من عالم الإنسان كان مسيطراً على اللغة الشعرية. ففي اليوم الأول قرأ الشاعر الفرنسي أكسيوم غيليرم قصيدة عن الحرب في سوريا، ومع أنه لم يزر الشرق الأوسط من قبل، إلا أنه صرح بأن الحرب هناك تعنيه شخصياً، كما كان لافتاً أن كثيراً من الشعراء قرأوا بأكثر من لغة، في محاولة للتواصل والخروج من حواجز اللغات والاستغناء عن شخص آخر للإلقاء، وبعضهم ترجم نصوصه التي ليست لها خصوصية لغتها الأم بنفسه. أما صالات القراءات التي كانت موزعة على محافظات باريس فقد تميز من بينها معهد العالم العربي، و"بيت أميركا اللاتينية".
في معهد العالم العربي، كانت أمسية الشعراء الفلسطينيين أكثر النشاطات تنظيماً وحضوراً. مساء اليوم الثالث من المهرجان، قرأ الشاعر إبرهيم نصر الله الذي ينتمي شعرياً إلى جيل الثمانينات، قصائد احتفت بالوطن والأرض والحرية، كما قرأ كل من الشعراء مايا أبو الحيات وأنس عيلالي وأسماء عزايزة الذين ينتمون إلى الجيل الجديد قصائد انعكست فيها التفاصيل اليومية. ولم يكن عزف البيانو الحِرفيّ وحده ما أضفى أجواء ساحرة على المكان، فقد اتحد مع موسيقى اللغتين العربية والفرنسية واللوحات التشكيلية التي استخدمت كخلفية للمسرح.
شكَّل الشعر الإسباني الركيزة الأكثر فاعلية في المهرجان، ليس فقط بعدد شعرائه وخصوصيتهم، بل من خلال أمسية استمرت ثلاث ساعات في "بيت أميركا اللاتينية"، أحياها شعراء ينتمون إلى أجيال عدة من كولومبيا والأرجنتين مع عزف على القيثارة، وقد احتلت الرقة والغنائية والتنوع والعفوية أغلب نصوصهم، وهي الصفات التي يتميز بها الشعر الإسباني الذي مر نتيجة ظروف كثيرة بتجربة فريدة من التمازج مع الشعر الأميركي والأوروبي خلال القرن الماضي. كما غنّت الإسبانية كريستيان كورفوازييه قصائد لشعراء إسبان عاشوا الحرب الأهلية، أبرزهم بابلو نيرودا ولوركا ورافاييل ألبرتي (1902 - 1999).
افتقر المهرجان إلى ورشات العمل والكتيبات، على خلاف المهرجانات الشعرية الفرنسية التي تهدف في الدرجة الأولى إلى الخروج بكتاب أو عمل فني يحوي نصوص الشعراء مع دراسة عنها، ولا نستغرب الأمر إذا علمنا أن شخصاً واحداً يدير النشاطات كلها، هو الشاعر الفرنسي إيفان تيتيلبوم، الذي صرح بأن المؤسسات الثقافية الفرنسية الرسمية لم تتبنَّ المهرجان، فبقي جهداً فردياً.
كثير من الانفعال وتلاقي الثقافات جرى بين شعراء العالم في باريس خلال الأيام الماضية، الكل يقرأ، والكل يحاور، والكل يستكشف صدى قصيدته بين أناس من مختلف الجنسيات، غير أن ثمة غربة تنتاب الشاعر عند قراءة قصيدته بلغة لا يتقنها أغلب الحضور. هذا ما شعرته في أمسية "كلمات المنفيين"، رابع أيام المهرجان، التي قرأتُ فيها قصائدي بالعربية، وعلى الرغم من الغربة، فإن للمنفى اللغوي وجوهاً عدة تمحو المنفى الواقعي، وخصوصاً أن الحاضرين الذين لم يفهموا القصائد تفاعلوا بشكل لافت مع موسيقى اللغة العربية وانجذبوا إليها، ولعل في هذا ما يمنح الشاعر المنفي بعضاً من وطن.

ــــــــــــــــــــ
عمر يوسف سليمان
النهار:

http://newspaper.annahar.com/article/77580-المهرجان-الدولي-السابع-للشعر-في-باريس-قصائد-عن-الحرية-والحرب-والمنفى


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق