الأحد، 15 ديسمبر 2013

رحيل رموز الحرية والرمز المستقبلي الجمعي

أيام الحراك السلمي للثورة السورية، عندما كان يتم تشييع النشطاء المستشهدين، ثمة اختلاف في نسبة إحباط الناس وحزنهم وغضبهم كان يلاحظها كل من يشارك في الجنائز أو يراها عن قرب، ما بين جنازة ناشط سقط في المظاهرة بإحدى رصاصات النظام العشوائية وآخر تم قنصه بشكل خاص أثناء تجوله أو خروجه من المنزل، والأخير لم يكن مجرد إعلامي أو منظم للمظاهرات، بل صاحب كاريزما خاصة تؤثر في الرأي العام، كما لم يكن هدفه إسقاط النظام دون ضمان لممارسة الحريات العامة والخاصة ودون مشروع نهضوي يشكل انتشاره خطراً يهدد النظام وادعاءاته كما يهدد السياسة المصلحية للمعارضة.

خلال جنازة الشهيد هادي الجندي (تم قنصه في شهر تموز 2011 في حمص القديمة) كان الإحباط العام الذي انتاب الناس في المدينة يتجاوز إحباطهم أثناء تشييع ضحايا مجزرة الاعتصام الشهير في 18 نيسان 2011، ولم تكن عشرات الألوف من المشيعين ترثي الشاب الذي اتحدت في ملامحه شدة اللطافة مع الجرأة والشجاعة المفرطة، بل كانت ترثي صوتها الداخلي الذي لم تستطع التعبير عنه إلا من خلاله، لذلك عنى افتقاده بالنسبة لها انقطاعاً للخيط الرابط بين الحلم وتحقيقه، الأمر نفسه ينسحب على معن العودات في درعا، وغياث مطر في داريا، والذي كانت طريقة قتله الوحشية تحت التعذيب بعد أن أصبح رمزاً للسلمية والتآخي السوري تعبيراً صارخاً على محاولة النظام لوأد إنسانية الشعب السوري، وكذلك مشعل تمو الذي صُفِّي حين التف حوله الناس وبدأ يشكل عقبة في وجه المخطط الهادف للنأي بالأكراد عن الثورة السورية.

لقد تعامل النظام بأسلوب ممنهج شديد العدوانية والحقد مع الشخصيات ذات التأثير الشعبي، ليس لقمع الحراك فقط، بل لتحطيم معنويات المواطن السوري وإجهاض تمسكه بأي أمل في التغيير، أما الرموز التي لم ينجح في قتلها فقد عمد إلى تهجيرها أو تشويه سمعتها...

عموماً، ومنذ أن انتشرت ثورة الاتصالات في العالم بدأت شخصية الرمز بالانكماش، فكلما صغر العالم وصار الزمن أكثر سرعة ذاب ثبات الرموز، مركز التحرر اليوم هو العقل الإلكتروني الذي تصب فيه الأفكار والتطلعات إلى الخلاص من التخلف وليس العقل البشري كما في السابق، ولأن ثورة الاتصالات في سوريا وغيرها من بلدان الربيع العربي جزء هام من الثورة على الأرض، فقد تعددت الرموز وتتالت بشكل سريع، كلما ظهر رمز يتحول مع الوقت إلى عامل من عوامل التغيير ولا يستقر كأساس له، وحين يكفي الشخص أن يحمل كاميرا و"لابتوباً" وخط إنترنت لينشر أفكاره ومشاهداته فإنه يستطيع تفعيل قدراته الحقيقية ويُتاح له أن يجذب الناس إلى أفكاره بعيداً عن "الكليشيهات" التي يضعها الآخرون، ونتيجة لتعددية الرموز وكثرتها في الحالة السورية فقد فشل النظام في إيقاف الحراك.

قبل ثورة الاتصالات هذه، ارتبطت أغلب الثورات عبر التاريخ بشخص واحد أو عدة أشخاص، منذ أيام ودع العالم نيلسون مانديلا، الكائن المتجذر في وجدان الإنسانية وصوت العدالة البشرية، وقبلها بأيام رحل أحمد فؤاد نجم، رمز ثورة الكلمة ورفض الاستبداد خلال عقود من التحولات في المجتمع المصري، وقد شكل رحيلهما حالة من الانكسار العام، فهما يمثلان خامة النضال لأجل الحرية خلال القرن العشرين، وما تبقى من إرادة النهوض بالأوطان قبل عصر الاتصالات الذي تبدلت فيه المفاهيم.

لن نشهد بعد اليوم رموز تحرر كمانديلا أو نجم أو غيفارا أو غاندي، فرمز الثورة في المستقبل ليس سوى الإنتاج الحضاري للبشرية، والذي يتجسد في الإنجاز العلمي الموجه لصالح الجميع بعد أن انصهرت مفاهيم الأمم والأعراق لصالح مفهوم التقدم، هذا الرمز تقوم به مجموعات من البشر بغض النظر عن انتماءاتها الضيقة، وتأثيره يمتد بشكل مباشر على جميع شعوب الأرض وليس على شعب واحد، ولأن العالم يزداد قسوة وسواداً، فإما أن نشهد إجهاضاً للحضارة وبالتالي سقوطاً إنسانياً لا منقذ منه، أو نهضة عالمية يجسدها هذا الرمز الجديد الذي لا يموت.

ـــــــــــــــــــــ
أورينت نت
http://orient-news.net/index.php?page=news_show&id=6671

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق