الجمعة، 20 ديسمبر 2013

وقت ميت من سوريا


الترجمة والتقديم: عمر يوسف سليمان


 ارتبطت تجربة الشاعر الفرنسي أكسودوم غييرم  (AxoDom Guillerm) بالبحث عن وسائل وتقنيات جديدة لنشر الشعر ومزجه بالفنون الأخرى، كـ (قصيدة الفيديو)، وتحويل القصائد إلى لوحات من خلال نحتها أو تعليقها مع صور ورسومات على الأشجار وجدران المنازل والقصور الباريسية، وقد ساعدته مهارته في فن التصوير على ذلك، إضافة إلى أنه كاتب مسرحي ومؤلف أغانٍ، شارك في العديد من الأنتولوجيات والأمسيات والمهرجانات الشعرية، أما القصيدة المترجمة أدناه فقد نُشرت في المجلة الشعرية الفرنسية (كُرَّاسات الإحساس) حزيران 2013، كما قرأها الشاعر في عدة مناسبات ثقافية منها (المهرجان الدولي للشعر في باريس) 2013.

البشر قبل البدائيين في هذه الجحيم الدنيوية
كأنهم مسيَّجون بالأسلاك الشائكة
حتى الشبّاك ذو الإطار المرصّع
يفوح بروائح غرفة التعذيب
لا أحد بريئاً
لا أحد أصمّ
الكلّ يعلم
الكلّ يسمع
الكلّ ينتظر
وما من أحدٍ طليقٍ حقاً سوى الأموات

إلهي، إلهي، خبِّئني حيثما تريد!
لا أستطيع أن أتحرّك
وأنتم!
كفاكم مواجهة للأخطار
اهربوا ولا تقلقوا
سأكون بخيرٍ وحدي في حديقة الزهور السوداء هذه

أحياناً أشعر أني اثنان
منفصمٌ، منهكٌ
لم أعد كائناً واحداً
ولا سبب لذلك
كنتُ يوماً ما كائناً
"أنا" لم يعد يعرف
هل نصفي الحقيقي هو الخائف؟
أم نصفي المقاتل الذي لا تهمّه أهوال الزمن؟
نصفي يخفي نصفي في طياته
كبُقَعٍ عفنةٍ من الإجاص
تختفي تحت العيون المغمضة
لنصفي العاري تحت هيكله العظمي
صه! اسمع، ركِّز قواك العقلية في هذا القبو
إننا نصغي إلى الدبّابات كما لو أننا نرى فكَّيها
الدبّابات تنخر جلد المدينة وتحفر فيه جنازيرها مثل وشم
الدبابات تشرب إسفلتَ الشوارع الأحمر المشتعل
فتطمس موسيقى قذائفها عقولَنا

الطائرات تُسقط الألغام والرصاص
في الألغام ضيَّعت ثديَي
لم يعد زغبي خارج جلدي بل داخله
الزغب يمشط جلدي
والكلَّابات تُبحر في عروقي
كانت لدينا حياة يوماً ما
كانت لدينا قطة وحب وأطفال وحلوى وكلاب وأشجارٌ
وكؤوس كحول تعلوها الرغوة الطازجة
كان هذا قبل أن تقيم أيدينا فوق أفواهنا
لتخنقنا كل ثانية رعباً
ونصبح أحدَ اثنين: أسودَ أو أبيض
الأكثر تعاسة منا مَن يصبح أحمر وهو يزول سريعاً كالذباب

لقد هرِمتْ شمسنا
وغاب رونقها
ما عاد للأوراق حفيفٌ أخضر
والأشجار لا تعيش إلا كظلالٍ عابرة

ما قيمة هذه الأجساد ونحن لا نستطيع الابتسام؟
وبماذا نغرس أنيابنا وحتى الظلال أصبحت مائعة لزجة؟
عيوننا قذرة
تسيل صفرتها على بشرتنا الرمداء
لم نعد نجرؤ على أن تنتفخ بطوننا
والمساميرُ تزخرفها كما تزخرف أطفالنا
المساميرُ تحبس أنفاسنا
عبثاً نحاول النجاة من الأشباح
سواءٌ تلك التي كانت تترصّد الخطوات
أو التي سنصيرها يوماً
حسناً
ماذا؟
ماذا؟
أية أحجية هذه؟
روحي تُغتَصَب كل يوم
ربما لو أن دماً أقلَّ يصبغ شعري
لكنتُ أكثر بهاءً
ربما لو لم أطلِقْ كل تلك الصرخاتِ
لكان صوتي رخيماً
أمَّا هذا الذي أكتبه الآن فليس أغنيةً
بل حرقة

باضمحلالٍ تدريجي لذاكرتي أعيش
فمن أكون إذاً؟

أنا لستُ سوى شهقاتِ وقتٍ ميتٍ
أنا اتفاقُ وقفِ إطلاقِ النار.

ـــــــــــــــــــــــــ
النهار- الملحق:
http://newspaper.annahar.com/article/93364-شعر--وقت-ميت-في-سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق